الرسم والريشة والألوان هي حياتي وكل ما أملك في هذه الدنيا

الرسم والريشة والألوان هي حياتي وكل ما أملك في هذه الدنيا

الفنانة التشكيلية: سحر عبد الرحمن السيد

أنا من مواليد الميادين 1977. الميادين تعتبر من أهم وأكبر مدن محافظة دير الزور، هذه المدينة التي تميزت منذ القدم بطيب أهلها وحبهم للطبيعة والزراعة، منهم المثقفين ومنهم الفلاحين وكذلك الفنانين المعروفين على مستوى سوريا كلها.

أما طبيعتها الخلابة ذات الأشجار المعمرة كالسرو والصنوبر والنخيل وكذلك أنواع مختلفة من النباتات التي تحمل أسماء جميلة والياسمين والمربيات وكروم العنب بشتى أنواعه، أما بساتينها الواسعة المساحة على جانبي نهر الفرات هذا النهر العظيم يعطيها عراقة وحضارة لا مثيل لها.

تتميز العلاقات الاجتماعية بمدينتي بأنها متينة وهي تأخذ المرتبة الأولى بالتمسك بهذه العلاقات، كلها حب واحترام وتقدير للآخر. ومراعاة بعضهم لظروف البعض وكذلك الكرم العربي يتجلى بكل مظاهره. من الناحية الثقافية فإن أهل الميادين يتمتعون بحب التراث والتمسك به ونرى ذلك في المناسبات العامة والأعراس حيث يلتزم الجميع بالمظاهر التراثية كاللباس الفلكلورية.

أما المرأة في مدينة الميادين فهي فعالة في المجتمع وتراها في جميع المجالات كالأعمال المؤسساتية والوظائفية الحكومية، وكذلك منهن ربات المنازل. تتميز الميادين بالاندماج بين كل مكونات الشعوب ومختلف الديانات والعشائر فنجد فيها المسلمين والمسيحيين والعرب والأكراد. لدى مدينة الميادين أماكن جميلة أثرية عريقة مثل قلعة الرحبة وأماكن العبادة مثل معبد علي.

منذ صغري وأنا أحب الرسم وامضي ساعات طويلة بين الألوان والأوراق ولا أشعر بمرور الزمن. حيث كنتُ في الصف الثالث الابتدائي، بدأت موهبتي بالظهور على مستوى المدرسة وشاركتُ لأول مرة بمعرض أقيم ضمن فعالية مسابقة الرواد الخاصة بالمدارس الابتدائية وتفاجئ الجميع برسمي المميز وأذكر حينها أني رسمت منظراً لطائر البجعة داخل بحيرة واستخدمتُ وقتها قلم الفحم.

ولا أنكر تشجيع والدي وعمي لمواهبي حيث كانوا يسألونني بشكل يومي عن رسوماتي الجديدة. أما عمي فكان يحضر لي ألوان مميزة لا أجدها في مكتبة الحي. لقد تأثرت بالبداية بفتاة من الصف السادس حيث رأيتها ترسم بشكل عفوي وكانت رسمتها على صغر سنها أقرب للواقع فلم أجد نفسي إلا ممسكة بالقلم وبدأت أقلد واعيد رسمتها. ومن حينها وإلى اليوم وأنا أحب الرسم ولا أريد أن اتخلى عنه.

لكن بعد الأحداث والأزمة التي شهدتها سوريا والتغيرات والاحتلالات التي ارتكبت، حيث تغير مكان إقامتي، نزحت مع عائلتي إلى مدينة الطبقة أصبح عندي الرسم أكثر ضرورة وبدأت أعمل مدرّبة للرسم في المركز الثقافي وشاركتُ بالعديد من المعارض التي أقيمت في هذه المدينة وغيرها من مناطق شمال وشرق سوريا.

وأول لوحة أو رسمة رسمتها كانت عن تراث المرأة الريفية. حيث عبرتُ عن تمسك المرأة الحرة بتراث الأجداد وكانت في مركز الطبقة للثقافة والفن. شاركتُ بمعارض عدة منها:

معارض مدينة الطبقة الخاصة بالمركز الثقافي، معارض مدينة الرقة، معارض قامشلو، معارض كوباني، معارض مدينة منبج، معارض مدينة الحسكة في الجزيرة، وشاركت بعدة ملتقيات.

أما عدد رسماتي لا أتذكره جيداً ولكن بحدود الـ ٥٠٠ لوحة. أرسم لأني أحب الرسم فهو يعبر عما في داخلي ويجعلني أتحد مع الطبيعة وأشعر بها من روحي. الرسم والريشة والألوان هي حياتي وكل ما أملك في هذه الدنيا. لا اكتفي من الرسم ومازلت أريد الرسم أكثر وأكثر.

مدينة الطبقة؛ من أجمل مدن الرقة المطلة بشكل مباشر على نهر الحضارة نهر الفرات مدينة عريقة عرق التاريخ وقلعة جعبر شاهد على ذلك. تحتوي على أكبر بحيرة في سوريا ومن ورائها السد ذو الأهمية الخاصة.  فيها تنوع حضاري وشعبي وكانت حاضنة لأبناء سوريا من جميع المناطق.

مارستُ الأعمال اليدوية في المركز الثقافي في محافظتي وكنت الأولى على المحافظة أربع سنين بالرسم والأعمال اليدوية. وفي المركز الثقافي في الطبقة شاركت بالكثير من الأعمال اليدوية والرسم ورسمتُ بالألوان الزيتية، شاركتُ بمعارض كثيرة في الجزيرة وفي قامشلو ومنبج وكوباني، وفي ملتقى بالرقة والطبقة. وأعمالي المشاركة في الرسم على الجدران للروضات والمدارس ومشاركة مع شبيبة المدارس التشكيلية والواقعية وتقريبا كل المدارس اشتغلتُ عليها. ولدي مجموعة من الطلاب يتعلمون بالرصاص والألوان المائية وتابعتُ الكثير من أعمال الفنانين في الوطن العربي وفي العالم.

الملتقى الجديد في الرقة الملتقى الثاني حوارات، ولون اللوحة كانت بالألوان الزيتية، ومعبرة عن التراث الريفي. الرسم مسيرة طويلة لا نهاية لها. وإنني أحس دوماً بأنني يجب أن أكمل هذه المسيرة. إنها مسيرة الحرية بالنسبة لي. حين أرسم فإنني أرسم كل أمنية أو حلم للنساء على تراب وطني. إنني أرسم للفرات ومائه العذب. سأرسم ولن أتوقف، حتى وإن تركتني الريشة.