ربيع المرأة ربيع الثورة الفكرية – جيان ديرك

ربيع المرأة ربيع الثورة الفكرية

“المرأة ثورة ذهنية بحد ذاتها.

إن لم تقم المرأة بالتعرف على ذاتها الحرة والمجتمعية،

لن تكون بتلك القدرة على إدارة كافة شؤون المجتمع”

 

جيان ديرك

 

أطل علينا ربيع 2024 بثوبه المزركش بأجمل الألوان والأزهار مبتدأ بشهر آذار، شهر الخير والعطاء والمحبة والتضحية والنضال. كان الثامن من آذار عيد المرأة العالمي شرارة ثورة المرأة وثمرة نضالها عبر التاريخ، ضد الاستبداد حيث أصبحت النساء مدركات للتمييز الجنسي والاجتماعي وعرفن أن الأمر يتعلق بالفاشية والقومية والسياسات الاستعمارية للإمبريالية المنتشرة في بلادهن.

 فقد بات البحث عن حريتهن المجتمعية ليس فقط في ذكرى يوم الثامن من آذار، فالمرأة كانت عبر تاريخها ومازالت عبر حاضرها قدوة وسباقة في جميع الميادين الحياتية والعملية وفي كل النواحي. فمنذ أسطورة عشتار ومروراً بزنوبيا ملكة الصحراء وساكينة جانسيز وزيلان وبريتان وهند وسعدة، وصولاً إلى كل النساء المقاتلات والمعتقلات ولأمهاتنا في عفرين المحتلة وسركانيه وكرسبي.

 فما يحصل من قتل النساء وما يتعرضن له من إبادات جماعية لا يمكن ايقافها إلا عن طريق ثورات النساء. فالمثال الذي يحتذي به اليوم نراه متجسداً في نساء إقليم شمال وشرق سوريا اللواتي تعلمن من الأزمة واستطعن أن يتركن بصمتهن الواضحة في كافة المجالات فاستحققن أن تسمى الثورة باسمهن.

 فإنجازاتهن وانتصاراتهن التي تحققت أبهرت العالم أجمع وأكدت أن المرأة دائماً هي أساس التغيير والقدوة، فهن أول من وجد شعار لنساء العالم أجمع “المرأة – الحياة – الحرية”. وعلى خطى ثورة التاسع عشر من تموز كانت البداية لامتداد الثورات التي تقودها المرأة الحرة فلم تقف ثورة المرأة في روجآفا، بل امتدت إلى روجهلات كردستان وإيران التي اندلعت عقب استشهاد الشابة الكردية جينا أميني.

هذه الثورة التي حفزت بدورها النساء في أفغانستان على استجماع قوتهن والوقوف بكل شجاعة في وجه حركة طالبان التي جردتهن من حقوقهن الأساسية، ولا ننسى المئات من المعتقلات اللواتي يقبعن في سجون الاحتلال التركي على خلفية اتهامات وحجج واهية يناضلن ويقاومن حتى وهن في سجون الاحتلال على أمل أن تسطع عليهن شمس الحرية يوماً ما، وعلى هذا الأمل يبقين صامدات ويرفضن الاستسلام بل ويقاومن بشتى السبل.

 وها هي في السويداء تشارك المرأة في طليعة الاحتجاجات للمطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية حيث أثبتت المرأة أنها تقف دائماً إلى جانب المرأة وتستمد القوة لاستمرار الحراك النسائي بفكر وفلسفة صديق ورفيق المرأة القائد عبد الله أوجلان الذي أوضح في تقييماته أن أيديولوجية تحرير المرأة تقدم لجميع النساء الشرق أوسطيات بل العالم هدية الثامن من آذار.

من جانب ثاني كان شهر آذار تأكيداً على المقاومة والإصرار على المساواة ونيل الحرية وعدم التفرقة، فعندما عملت الجهات الأمنية وحزب البعث في محاولة ضرب المكون الكردي والعربي ببعضهم البعض وكانت أحداث ملعب قامشلو في 12 آذار من عام 2004 قد أشعل فتيل نار الانتفاضة فكانت بداية شرارة إنهاء الفتن والخلاص من التمييز والعنصرية فإضرام النار في جسد الشاب الكردي (أروغان كهرمان) في ساحة سعد الله الجابري رسالة موجهة إلى كافة الشعب السوري وحضهم على المقاومة ضد الممارسات من قبل السلطات البعثية في سوريا  من انكسار وتفرقة عنصرية اتجاه الشعب الكردي الأعزل مؤكداً أن المجتمع الكردي جزء من نسيج المجتمع والتاريخ السوري.

فالممارسات والإبادات الجماعية بحق الشعب الكردي ليست حديثة الولادة فالتاريخ سجل أيضاً في شهر آذار في /16/ من عام /1988/ أكبر برهان على الانتهاكات والجرائم اللاإنسانية في مجزرة حلبجة التي راح ضحيتها 5 آلاف كردي أكثرهم نساء وأطفال على يد نظام صدام حسين لينهي هذه المجزرة في 22 آذار بـ 182 ألف ضحية بحملة الأنفال.

كذلك لن ننسى الجرح الذي ينزف من دمنا وكأن هذا الجرح وليد اللحظة والساعة عفرين رمز البطولة والصمود والمقاومة فتاريخ 18 آذار من عام 2018 يتجدد ليلامس وجدان السوريين، وبالأخص ما نراه اليوم من ممارسات بحق أهالي عفرين من قبل ذاك المحتل الفاشي الذين ينشرون الفساد في أرض السلام والزيتون، ويحاولون عبثاً فناء شعبٍ متشبث بأرضه وأشجار الزيتون.

 تلك المؤامرة التي شنها المحتل وخطط له مستخدماً مختلف أصناف الأسلحة الثقيلة والفتاكة والمحرمة دولياً حيث يعمد على تغيير ديمغرافية لتاريخ عفرين وإنهاء وجود منطقة كردية رغم تلك الأوجاع فالعين، تدمع حزناً تارة وفرحاً تارة أخرى، ليكون 21 من آذار يوم عيد النوروز ولادة وتلاحم أبناء المنطقة أكثر من أي وقت سابق.

 فاليوم شعلة الحرية لنوروز ترفع بيد كافة المكونات تأكيداً على أن كاوا الحداد لم يسقط الظلم عن الشعب الكردي فقط بل عن كافة الشعوب، وكل ذلك بريادة وطليعة المرأة الحرة التي سطرت في 23 من آذار من عام 2019 أعظم ملحمة بطولية بقيادة وحدات حماية المرأة في الباغوز التي كانت الفصل الأخير في معركة النصر على ما يسمى دولة داعش ومواليها، فكانت ولادة جديدة لحياة ملايين الناس في مناطقنا والعالم أجمع.

قاتلت قواتنا نيابةً عن الجميع وأدت المهمة الإنسانية وكللتها بالنصر من آلة القتل التي كانت تفتك بكل شيء، وتحول المنطقة التي تسيطر عليها إلى بيئة دماء وإنهاء أسباب الحياة، فما دفعه شعبنا ووحدات حماية المرأة من تضحيات كان نبيلاً فقد كان دفاعاً عن القيم الإنسانية والمجتمعية والديمقراطية لتسجل ملحمة من أجمل ملاحم البطولة والتضحية تحت راية السلام وأخوة الشعوب.

وفي نهاية شهر آذار شهر التضحيات في الثامن والعشرين منه من عام 1986 كان استشهاد أيقونة البطولة والمقاومة لسجن آمد/ الشهيد عكيد – معصوم قورقماز هو التجسيد الحقيقي لفكر وفلسفة المفكر عبد الله أوجلان.

وبعد ذلك يهل علينا شهر نيسان مبتدأ بالغد المشرق بيوم مولد قائد الإنسانية الفيلسوف الأممي عبد الله اوجلان، فالرابع من نيسان من عام 1949 ولادة جديدة لشعوب الشرق الأوسط والإنسانية جمعاء، فهو يوم مصيري وتاريخي والنصر والتحرر من كافة الأنظمة الاستبدادية والعبودية.

 اليوم بات فكر وفلسفة القائد التي أرادوا حجبها بمؤامرة دولية ممنهجة ومخططة تروي ظمأ كل متعطش إلى الحرية وفي مقدمتها المرأة التي تسطر أعظم الإنجازات والبطولات، فكيف لا والقائد هو الذي رسم لها درب الخلاص واعتبر حريتها هي حرية المجتمع فميلاد القائد ليس ميلاد حرية الشعب الكردي وتحرير المرأة إنما هو انبعاث جديد للبشرية جمعاء.

 وعلى ذلك نحن اليوم أكثر إصراراً من ذي قبل ليس لإنهاء العزلة المفروضة في سجن إمرالي بل للحرية الجسدية للقائد آبو، فهو الحل الوحيد لكافة المشاكل والأزمات ليس في الشرق الأوسط بل العالم أجمع.

كما تميز نيسان هذا العام بامتزاج وتناغم كافة أعياد مكونات وشعوب المنطقة من عيد الفطر المبارك إلى عيد الأربعاء الأحمر رأس السنة الأيزيدية.

 ولا ننسى يوم الرابع والعشرين الذكرى التاسعة بعد المئة للإبادة الجماعية التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الشعب الأرمني ليسطر فيها التاريخ بشاعة انتهاكاتها التي ما زالت تمارس بحق كافة مكونات مناطق شمال وشرق سوريا، مدمرة عبرها كافة وسائل العيش ومزعزعة الأمن والاستقرار وبالرغم من كل تلك المؤامرات لإفشال مشروعنا مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي لم يتم الا بتضحيات شهيداتنا وشهدائنا اللذين كانوا المنارة التي تنير دربنا لتحقيق وبناء مجتمع ديمقراطي حر. فنستذكرهم في الخامسة والعشرون من شهر نيسان في كل عام.

وعلى الرغم من تجاوزات النظام السلطوي الذكوري لم يتم تجزئة أو إضعاف ثالوث المرأة – الحياة- المجتمع، إلى الآن مازالت القيم والثقافة اللتان تتسم بهما المرأة والمجتمع يستندان على معايير العدالة والمساواة والتحرر وتوضح التطلعات والآراء المستقبلية للمرأة بأن تحيا حياة سعيدة وصادقة.

على الرغم من كل محاولات إخماد ثورة المرأة نراها تزداد قوة وتحدث تغيرات عظيمة، في شهر نيسان يتم ترسيخ التمثيل المتساوي للمرأة والرجل في جميع المؤسسات الإدارات الذاتية الديمقراطية عن طريق انتخابات البلديات وممارسة المرأة في حق التصويت وبشكل ديمقراطي.

المرأة تمارس حقها في الترشيح والتصويت لمن تخدم بناء مجتمعها ومؤمنة بحريتها على أساس البناء السليم رغم كل الانتهاكات وما يمارس من شن الفتن والفوضى، ها هي تقف على صناديق الاقتراع لتقول؛ “مستقبلي مليء بالأمل والايمان، بأن حياتنا وحياة جميع النساء ومجتمعنا سيكون أجمل، ربما نسقط عدة مرات لكننا سننهض دائماً، مؤكدين مقولة قائدنا (قرن الواحد والعشرون قرن حرية المرأة والانتصارات)”.

فثورة المرأة المناضلة في مرحلة حساسة، لأنه على عاتقها الكثير من المسؤوليات التاريخية. فهي شعلة أمل الحياة الحرة. المرأة الغير الواعية لن تكون بتلك القدرة على قيادة المجتمع. الثورة الرئيسية هي الثورة الذهنية والتي تبدأها المرأة من ذاتها. عندما تتحد القوة الفكرية لكافة النساء وبدون أي استثناء فإن تلك الطاقة الفكرية توحد كافة الثورات المجتمعية.

حتى الآن وأمام الرأي العام العالمي نرى كيف أن الأم الفلسطينية تضطهد والشعب الفلسطيني يمر بأكثر الظروف صعوبة. إذاً النساء أينما يكونون هناك ظلم عليهن. التجربة التي تعيشها كافة النساء على مستوى إقليم شمال وشرق سوريا تجربة فريدة من نوعها. وليس بتلك السهولة تطبيق فلسفة المرأة، الحياة، الحرية بحذافيرها. حتى وإن المرأة تناضل في كافة الساحات ولكنها تحتاج أيضاً للكثير من التدريبات التوعوية وأن تصل إلى معرفة ثقافتها التاريخية بنفسها. المرأة الغير واعية بهويتها الثقافية والمجتمعية ليست قادرة على إدارة المجتمع وأن تكون ريادية وقيادية مهمة تكون النواة الأساسية في لعب دورها الحياتي.

من غير المستطاع قول هذه المعادلة لأجل المرأة السورية فقط، بل على مستوى المرأة الشرق أوسطية والتي تحتاج أكثر من أي وقت مضى بأن تكون صاحبة كيان مجتمعي وتراجع حقيقتها المجتمعية. فالأنظمة المستبدة والنظام الرأسمالي عمّق تلك المفاهيم في أن نرى مجتمعاتنا على أنها متخلفة ولا قيمة للمرأة فيها، بحيث نستصغر الطاقة الحياتية الطبيعية الموجودة في بيولوجية المرأة وفي فكرها وذكائها العاطفي. المرأة الشرق أوسطية محبة لترابها وطبيعتها ومجتمعاتها ولها عواطف متنوعة ومختلفة وتقدم الثقافات المتنوعة واللهجات المتنوعة.

فالمرأة ثورة ذهنية بحد ذاتها. إن لم تقم المرأة بالتعرف على ذاتها الحرة والمجتمعية، لن تكون بتلك القدرة على إدارة كافة شؤون المجتمع. على المرأة ألا تنتظر أي أحد بأن يأتي ويخلصها من تأثيرات تلك الذهنيات التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة بنفسها. فهي تملك وبشكل طبيعي تلك الطاقة التي تؤهلها لريادة المجتمع. ونحن نحيا هذه الثورة وبشكل ملموس في واقعنا حتى وإننا في بداية المسيرة، ولكن إصرار المرأة على التحدي والمقاومة وبذل الكثير من الجهود الرصينة خطوة تاريخية. فنشاطات وفعاليات ربيع المرأة في شهر نيسان وأيار أثبتت بأنها مقاومة ومكافحة وستكون ناجحة في إيصال ثورتها الذهنية في القرن الحادي والعشرون إلى قمة الانتصارات.

 ستبقى المرأة تسير على خطى فلسفة

                                                                                     المرأة،

                                                                                                 الحياة،

                                                                                                            الحرية.