تطور الحركات النسوية تكمن في القدرات الكونية للمرأة

 

تطور الحركات النسوية

تكمن في القدرات الكونية للمرأة

تقييم وتحليل دور الحركات النسوية

في تطور المجتمع،

لهي قضية مهمة وتاريخية

نرجس إسماعيل

كثيرة هي المستجدات التي طرأت على المجتمعات من خلال تشكيل الكثير من المنظمات والمؤسسات والحركات النسوية ولعب دورها في إرجاع الحياة إلى طبيعتها المجتمعية. لهي خطوة ومنعطف تاريخي في طرح هذه الحركات الكثير من الأطروحات والحلول كي يوصل للعالم بأن المرأة هي الحياة ومن حقها العيش بقيمها الأخلاقية والثقافية المجتمعية ليس كجنس أو فرد عابر في المجتمع بل كركيزة أساسية لإدارة المجتمع.

كثيرة هي الحركات الفامينية التي ناشدت وقامت بالكثير من الحملات التوعوية والمسيرات وطالبن بحقوق المرأة في التصويت والترشح والعمل والتساوي مع الرجل …الخ وأمثلة كثيرة عن الدور البارز للنساء في الكثير من الثورات ومنها فييتنام والمعروفة بلعب نسائها وفتياتها دورهن في حماية الثوار ومساعدة الجرحى والقيام بالكثير من الأعمال في سبيل إيصال الثورة للحرية والاستقلالية.

وحتى وإن المرأة في الثورة الفرنسية نادت بحريتها وطلب المساواة، ولكن دورها كان محدودا ومقتصرا في بعض المجالات فقط، مثلاً لم يحق لها لعب دورها في السياق السياسي واتخاذ القرارات المصيرية للمجتمع، لذلك قامت بالكثير من المسيرات والحملات للمطالبة بحقوقها السياسية والاجتماعية.

من هذا المنطلق؛ وحين نحلل التراكمات الحاصلة في البنية الاجتماعية ومن خلال المرور بالكثير من المراحل من خلال تأثيرات ذهنية 5000 عام، وانعكاس الذهنية السلطوية على المجتمع، قد ضاقت من أنفاس الحرية أو التوجه نحو التطلعات الكونية. في الحقيقة نرى وأمام العيان بأن الأنظمة المركزية باءت بالفشل في إيصال المجتمعات إلى رقيها. على العكس تماماً خلقت أرضية رطبة لتكوين الطبقات والمفاهيم الغير متجانسة مع الطبيعة المجتمعية، وبالأساس الغير متناسقة مع ذهنية وطبيعة المرأة. وتحوّلت تلك الأنظمة إلى وباءٍ وعلة على المجتمع وتعميق الأمراض الذهنية المتحولة مثل السرطان وكان لا محال لطرح أي حل للقضاء عليها.

فنظام المدنية المركزية أرادت التحكم بكافة الذهنيات مستمرة في إحداث الكثير من الكوارث البيئية والفكرية والمجتمعية، وبالأحرى تهميش الدور البارز للمرأة وتحويلها إلى آلة للإنجاب فقط وسلعة مادية لا تملك حتى أبسط الحقوق تحت اسم الحرية الفردية. القضية المهمة هنا هي ليست بتشكيل أو وجود الحركات النسوية، ولكن المحتوى والمضمون لإعطاء القوة الفكرية والكونية للمرأة، وبشكل فعال أو خلق أرضية مناسبة كي تلعب المرأة دورها في كافة المجالات، وبالأخص الساحة السياسية وتقرير مصيرها على نهج تاريخي، لهو أهم من أي شيء.

حين نراجع الكثير من الأبحاث الفامينية نرى بأنها ساهمت بشكلها العام فقط لإظهار حقيقة المرأة، فالنشاطات تمضي حسب ذهنية ذكورية وتحت ضغوطات أنظمة لا تناسب حقيقة المرأة ومسؤولياتها، إصلاحية بحيث لا تتناول القضية من جذورها أو أن يكون لها الدور الفعال في التأثير الكوني.

من هنا علينا ومرة أخرى مراجعة تلك المفاهيم وتحليل تلك التجارب بشكل ناقد للاستفادة من النواقص والأخطاء. فالعنصر الهام في هذه القضية هي تحليل الأسرة وما آلات إليه من نتائج وتأثيرات سلبية على مر العصور. الأسرة هي النواة والخلية الأساسية في تكوين وتغيير المجتمع بالكامل. فالحركات الفامينية لها الدور البارز في تقييم حقيقة المرأة ودورها ضمن الأسرة، وفي كيفية تكوين الأسرة الديمقراطية، المتحاورة، المتساوية، المتجانسة، والموازية مع السيرورة المجتمعية. واستناداً عليها يتم طرح الكثير من الحركات النسوية في لعب دورها وبشكل مجتمعي، وإلا فإن وجود “الحركات النسوية” ستغدو بمثابة أن تتحول إلى خلية مصغرة للسلطة حتى وإن كانت تنادي بحرية المرأة والمجتمع.

لا يمكننا غض النظر عن قضية الأسرة أو تجاوزها، بالإمكان تحليلها بشكل جذري. فمن العائلة يبدأ مفهوم التملك على المرأة والطفل، ووجود العلاقات الرأسمالية في العلاقة الزوجية وفي كافة تفاصيلها تعتبر أكبر كارثة متعمقة، وعدم تخطي الغرائزية البحتة وتحت اسم استمرارية الجنس البشري يعد من أكثر العوائق سلباً على تطور المجتمع نحو التحضر.

فالحل الأمثل؛ يكمن في الوحدة فيما بين علاقة الرجل – المرأة، واتخاذ فلسفة الحرية والمستندة على المجتمع الأخلاقي والسياسي أساسا له. فإذا استمرت الأسرة ومن ضمنها المرأة والرجل بالتحول ضمن هذا الإطار، فسوف تكون ضمانات المجتمع أكثر ديمقراطية وسلامة وتكون من إحدى الأساسيات في الحضارة الديمقراطية. وكما طرح المفكر عبد الله أوجلان هذه المسألة وقال:

“الزواجُ الطبيعيُّ هامٌّ هنا، بدلاً مِن الزواجِ الرسمي. ولكن، على الطرفَين المعنيَّين أنْ يَكونا مستعدَّين دائماً لِقَبولِ حقِّ هذه الحياة. ولا يُمكن الحِراكَ بعبوديةٍ وعمى في العلاقات. جليٌّ بوضوح أنّ الأسرةَ ستعيشُ أكثرَ تحولاتها معنىً في كنفِ الحضارةِ الديمقراطية. هذا ومن المحالِ تطويرَ الاتحاداتِ الأُسَرِيّة القَيِّمة، ما لَم تَحظَ المرأةُ بالتقديرِ والقوةِ العظمى، بَعدَ أنْ خَسِرَت الكثيرَ الكثير من التقديرِ على مَرِّ آلافِ السنين. كما يستحيلُ احترام الأسرةِ المتأسسةِ على الجهل. بالتالي، ذلك أنّ نصيبَ الأسرةِ هامٌّ في إعادةِ إنشاءِ الحضارةِ الديمقراطية”.

من هنا، وجود الحركات الفامينية والأيكولوجية وحدها ليس كافياً في طرح التغيير الكامل ضمن المجتمع وسد تلك الثغرات التي فتحها النظام الرأسمالي وبشكل مفجع، ولن تقدر على مواجهة هذا النظام البالغ حد المبالغة المنتظمة، إلا بتطبيق ذهنية العصرانية الديمقراطية كحل بديل ويتناسب مع التوازن الكوني والبشري.

لذلك تقييم وتحليل دور الحركات النسوية في تطور المجتمع، لهي قضية مهمة وتاريخية. ففي العدد السادس طرحنا المنجزات والفعاليات البارزة للحركات النسوية لعام 2023 والآن في العدد السابع علينا فهم الدور البارز لتلك الحركات وكيفية تحويل القدرات الكونية الموجودة في المرأة إلى حقيقة ملموسة وواقعية ومجتمعية. وجود الهيكليات الرسمية للحركات خطوة سديدة ولكن عدم لعب دورها في التحويل والتغيير سيعتبر كارثة تاريخية وتخلق قضايا عقيمة بعيدة عن الحلول.

فإذا تأملنا كافة أصقاع العالم، ورغم الحروب المستمرة مع بطشها وجشعها، إلا أن صرخات الأمهات تعلوا حتى السماء لتؤكد بأنها تطالب بحقوقها المشروعة، وتسعى نحو بناء عالم مبني على فكر المرأة الحقيقية، والحياة الحرة، والحرية المجتمعية.

نتمنى من كافة القارئات والقراء الاستمتاع في الإبحار بين معاني محور العدد السابع “الحركات النسوية”.