الحياة النِدِيّةِ الحرة فلسفة وأخلاق عالية المزايا بين الجنسين

 

الحياة النِدِيّةِ الحرة فلسفة وأخلاق عالية المزايا بين الجنسين

 

” تستحق المرأة وكذلك الرجل العيش

في كنف فلسفة الحياة النِدِيّةِ الحرة

عندئذٍ يكون للحياة والوجود معنى فلسفي

وعلمي واجتماعي”

 

نرجس إسماعيل

ما من مجتمع تحرر ذهنياً واجتماعياً بالكامل في حل مشكلة العلاقات بين المرأة والرجل. هذه العلاقة الشائكة والمبنية على الكثير من الأفكار والثقافات المنحرفة للطبيعة المجتمعية لهذه العلاقة، وتراكمات تأثيرات الألاف السنين لها الدور البارز.

فحاكمية الرجل – بالأخص الذهنية السلطوية الرجولية التي أصبحت بلاءً عليه أيضاً بات من العقدة الكأداء التي تحتاج للحلول الجذرية الكاملة. القضية لها مزاياها التاريخية والاجتماعية وتأثير الذهنيات السلبية عليها.

كثيرة هي الأشكال من الصراعات والحروب التي حدثت كانت ركيزتها السيطرة على المجتمع من خلال إضعاف حلقة الحياة فيها ألا وهي “المرأة”. حتى وإن اعتقدنا بأن الرأسمالية على أساس أنها المرحلة المتحضرة للمجتمعات، ولكنه النظام الأكثر جلباً للكوارث والويلات على المجتمع. فالنظام الرأسمالي الحداثوي أثّر وبشكل مفزع على المرأة ومفهوم الحرية بحيث حوّلها إلى مادة وسلعة رخيصة، بنفس الوقت التدمير الجغرافي وتحويل الإنسان إلى (آلة – روبوط) وفرض كافة أشكال العبودية المتحضرة على الفرد وتحويل المجتمع إلى قطيع لا حول له ولا قوة.

فلدى الشروع لأجل حل قضية المرأة علينا تحليل القضايا الاجتماعية والبحث عن الأسلوب الصحيح لوضع الحلول العملية والجذرية لها. للمرأة الدور المحوري في تحديد مصير الشعوب. بقدر ما تكون عليه المرأة من مستوى، فالمجتمع أيضاً يحدد مستواه حسب تقدمها وتطورها. هنا علينا إعطاء الصياغة الصحيحة لمصطلح (المرأة – الحياة). من خلال استعباد المرأة تم تشتيت الحياة وإفراغها من محتواها.

حتى وإن المجتمع الذكوري المهيمن قام بالحط من قيمة المرأة وتهميش دورها الريادي على أقصى الحدود، لكن ذلك يجب ألا يكون عائقاً بالنسبة لنا في استيعاب حقيقة المرأة، والتعمق الصحيح للحياة. الحقيقة الظاهرة أمام العيان أن الرجل يهاجم وبشكل تعسفي وجور وبذهنية مبيدة للحياة، متجسداً في فرض سيطرته على المرأة. من هنا فعداء الرجل (للمرأة – الحياة) يعد مهيمناً معنف على الحياة، ومن الطبيعي أن يكون هذا التقرب مرتبط بالواقع الذي تربى فيه.

من هذا المنطلق نسأل أين يتم هدر تلك الطاقة الحياتية والمجتمعية والكونية المبدعة في المرأة؟ أين تُهدر؟ وأين تُصرف؟ وكيف يتم قتلها؟

تلك الطاقة التي يتم حبسها عن طريق المادة لهي كارثة مروعة. حتى المادة تكون مبنية وسَلِسَة لتتحول إلى شيء له النفع، ولكن تلك المادة التي لا تتقبل التغيير والتحول إلى شيء أو حتى تُبتعد عن سَلاستِها، فهي وبشكل تدريجي تُخنق الطاقة وتُنهي دورها بأن تكون “محوراً متغيراً” لأجل الحياة.

 حين تتحول الذهنية السلطوية إلى قدر محتوم ويُخنق الطاقة الحياتية، حينها يتم حبس الطاقة والسيرورة الاجتماعية. ذلك أن الطاقة الموجودة في طبيعة المرأة ومادتها لها طبيعة متحولة وتركز على التغيير المستمر، حتى وإن لم تتقبل التغيير فإن تلك الطبيعة تفرض عليها السير والحركة الدائمة نحو التجديد. والمادة الموجودة في طبيعة الرجل تختلف، هنا السؤال هل هي بطبيعتها هكذا قاسية أو متسلطة أو هناك شيء آخر؟ كلا، بالطبع غير ذلك هي بطبيعتها طاقة إنسانية قبل أن تتحول من قِبَلْ المجتمع إلى طاقة متجمدة وقاسية وسلطوية، تحوي الشدة والسلطة.

فالتحول من إنسان طبيعي وبطبيعته يملك المزايا الإنسانية، إلى رجل متسلط، هذا يعني بأن التحول تم بشكل تجسيدٍ “عيني” للسلطة. فالمرأة هنا؛ الطاقة المكنونة في المرأة وطبيعتها المتدفقة والحياتية والمتغيرة والمتحولة نحو التجديد دوماً، طبيعة فطرية، ولكن علينا ألا ننسى بأنه إذا لم يتم حبس تلك الطاقة في قفص سلطوية الرجل أو شكل الرجل ستبقى تلك الطاقة كما هي.

فالطاقة الموجودة لدى المرأة تعطيها القوة الفكرية والحسية والعاطفية بأن تعطي المعنى لكل شيء من حولها. الرؤية الجمالية والشاعرية لها صلتها الوثيقة بالطاقة الموجودة لديها، لذلك يتوجب علينا إدراك عمق الحياة الحية بكل معانيها والاستمتاع بممارستها على أكمل وجه.

حين نصل لذاك المستوى بأن نقدم الجواب الصحيح لسؤال كيف نعيش؟ ولماذا نعيش؟ وما غايتنا من العيش؟ سنكون بتلك القدرة بأن نصف أنفسنا بأننا نستحق العيش والحياة الرغيدة. حتى وإننا نعتمد في حياتنا على (المأكل والمأمن والتكاثر) ولكن إذا قيّمناها بانحرافيه وجعلها وسيلة للتسلط والاستغلال، حينها ستتحول إلى كارثة مجتمعية. ففي المرحلة الراهنة أصبح التكاثر الغير محدود والذي تتحكم به الذهنية الأبوية والسلطوية وتحت الكثير من مفاهيم زيادة النسل والسلالة والذُريّة، فالعدد الزائد للبشر أصبح بلاءً وكارثة بشرية، والمأمن والمأكل سوية معها.

فالتعايش مع المرأة يحتاج إلى التعايش الفلسفي وذو معاني عميقة أكثر من التعايش الجسدي أو المادي البحت فقط. المرأة لم تُخلق لزيادة النسل فقط، هي الفكر والروح المتجاوبة لطبيعة الحياة دوماً. والعيش معها بحقيقتها يُتيح للمجتمع العيش مع المرأة أي أن التكاثر أو زيادة السكان أداة وليست هدفاً.

من هنا فالمجتمع يكون بحاجة ماسة إلى تعريف مصطلح الحياة النِديّة الحرة، التي لا تعتمد على استمرارية النسل أو التكاثر، بل العيش بمقاييس الحياة الحرة مع المرأة يكون أقدس وأجمل. ويتوجب أيضاً النضال ذهنياً ومؤسساتياً تجاه الذهنية السلطوبة الحاكمة للرجل، وضمان نجاح هذا النضال بتحقيق الحياة النِدِيّةِ الحرة.

على هذا الأساس محورنا للعدد الثامن والذي يحتوي قمة التعريفات الصحيحة (للمرأة – الحياة – الحرية)، يفرض علينا أن نتمسك بفلسفة الحياة النِديِّةِ الحرة، فهي تعبير مكثف عن الحياة التشاركية البعيدة عن السلطوية والشدة واختلاف الجنسين. فمفهوم الحياة الشراكة النِديِّةِ الحرة بين المرأة والرجل هي لتطوير قيمهم الإنساني والبنيوي والعقلي في كنف الأوساط المجتمعية الإيجابية.

حتى وإن المفكر والقائد عبد الله أوجلان ذكر في مرافعته الثالثة سوسيولوجيا الحرية: “لا يُمكنُ للعشقِ أنْ يتحققَ في أجواءِ الزواجِ الذي خسرَ طاقةَ المعنى فيُنتجُ بالتالي العلاقاتِ العبوديةَ في كلِّ لحظةٍ ضمن أوساطِ مجتمعِ العبيد”.

حقيقةً؛ من غير الممكن الوصول لفلسفة الحياة النِديِّةِ الحرة من دون التخلص من رواسب الحياة الجنسوية الاجتماعية وفي كافة المجالات. فالعيش مع جماليات الحياة المخفية في المرأة هي العيش مع المعاني الصحيحة للحياة.

نتمنى من كافة القارئات والقراء التعمق في قراءة سطور هذا المحور القيّم، والقيام بإعطاء المعاني الصحيحة للحياة وفلسفة “الحياة النِدِيّةِ الحرة” في علاقاتهم والبدء بالحوار الديمقراطي على الطاولة المستديرة.