حياةُ الشراكةِ النِدّيةِ الحرةِ غيرُ واردة، إلا مع المرأةِ التي لَم تَعُدْ أداةً لاستمرارِ النسل

 

حياةُ الشراكةِ النِدّيةِ الحرةِ غيرُ واردة، إلا مع المرأةِ التي لَم تَعُدْ أداةً لاستمرارِ النسل

 

 

 

“إن المرأةُ القوية، المُفَكِّرةُ العاقلة، الفاضلة، الجميلة،

التي تَتَّخِذُ القراراتِ الصائبة، وبالتالي تَجعَلُني معجَباً بها بِتَخَطّيها إياي،

والتي يُمكِن أنْ تَكُونَ مُحاوِراً لي، ستَكُونُ مِن أحجارِ الزاويةِ في بحثي الفلسفيّ.

ولَطالما آمنتُ بأنّ ألغازَ تَدَفُّقِ الحياةِ في الكونِ

ستَجِدُ معناها مع هذه المرأةِ بجانبها الأفضل والأجمل والأصح”

 

المفكر عبد الله أوجلان

 

لا يُمكنُ إدراكُ أو حلُّ أيةِ مشكلةٍ اجتماعيةٍ بالدرجةِ الكافية، دون استيعابِ العلاقاتِ بين المرأةِ والرجل. إذ تتخفى إشكاليةُ العلاقاتِ بين الجنسَين وراء القضايا الاجتماعية. فلدى قيامِ مؤسسةِ الزواجِ – المفروضةِ على المرأةِ في المجتمعِ الهرميِّ ومجتمعِ المدنيةِ بمنوالٍ أحاديِّ الجانب– بإنشاءِ حاكميةِ الرجلِ المتعددةِ الجوانب، تَكُونُ بذلك قد رُصِفَت الأرضيةُ لمؤسسةِ عبوديةٍ وتبعيةٍ خاصّةٍ بالمجتمعِ البشريِّ بنحوٍ لَم يَشهدْه – ربما – أيُّ كائنٍ حيٍّ آخر في الطبيعة. وترتفعُ كلُّ حالةِ تمايُزٍ مجتمعيٍّ وطبقيٍّ وقوميٍّ بين الساحقِ والمسحوق على هذه الأرضية دوماً. كما ويتسترُ هذا الواقعُ خلفَ جميعِ أشكالِ الصراعاتِ والحروب أيضاً. وما تمّ مواراتُه وقَلبُه رأساً على عقب وعَكسُه سلبياً بالأكثر في تاريخِ المدنيةِ وفي الحداثةِ الرأسماليةِ بوصفِها آخرَ مراحلِ المدنية، هو الواقعُ المعنيُّ بعبوديةِ المرأةِ المبنيةِ على تلك الأرضية. فالمرأةُ التي طُوبِقَ بين اسمِها والشيطانِ في مجتمعِ المدنية، وحسبَ سلوكِ الامتثالِ في سوسيولوجيا الحداثة، هي الشخصيةُ الأكثرَ طاعةً وخنوعاً، والعاملةُ المجانيةُ في المنزل، والأمُّ المُنجِبةُ للأطفال.

إنّ إدراكَ كافةِ أشكالِ ومضامينِ مستوى العبوديةِ التي شُرِّبَت بها حياةُ المرأةِ على مدى آلافِ السنينِ بيَدِ الرجلِ وعَقلِه الاستبداديِّ والاستعماريّ، هو أمرٌ كان يتوجبُ اعتبارُه أولَ خطوةٍ على دربِ سوسيولوجيا الحقائق. ذلك أنّ معالِمَ العبوديةِ والاستغلالِ في هذا الحقلِ هي نموذجٌ بِدئيٌّ مُصَغَّرٌ عن كلِّ أشكالِ العبوديةِ والاستغلالِ الاجتماعيَّين. والعكسُ صحيح. أي أنّ كفاحَ الحريةِ والمساواةِ إزاء العبوديةِ والاستغلالِ المُضَمَّنَين في حياةِ المرأة، ومستوى المكاسبِ المُحرَزةِ في هذا الكفاح، يُشَكِّلُ أرضيةَ كفاحِ الحريةِ والمساواةِ تجاه العبوديةِ والاستغلالِ في جميعِ الميادين الاجتماعية. من هنا، فالعجزُ عن الفهمِ الكافي لمؤسساتِ وذهنياتِ العبوديةِ والاستغلال، والتي طُعِّمَت حياةُ المرأةِ ورُسِمَت ملامحُها بها، وعدمُ اتخاذِ الكفاحِ ضدّها أساساً؛ يُعَدُّ العاملَ الأوليَّ وراء عدمِ التمكنِ من تطويرِ النضالِ بخُطىً سديدةٍ على دربِ الحريةِ والمساواة، ووراء العجزِ عن الانتهاءِ بذلك النضالِ إلى نصرٍ مؤزرٍ طيلةَ تاريخِ المدنيةِ عموماً والحداثةِ الرأسماليةِ خصوصاً. ألا يَقولون أن السَّمَكَ يَفسدُ من رأسِه! إذن، وعندما لا تَكُونُ الأرضيةُ قويمةً سليمة، فإنّ البناءَ الذي سيُشادُ عليها سينهارُ مع أيِّ ارتجاجٍ صغير. والواقعُ المُعاشُ تاريخياً وراهناً مليءٌ بعددٍ لا حصر له من الأمثلةِ الدالّةِ على ذلك.

بناءً عليه، ينبغي أنْ يَكُونَ التركيزُ على ظاهرةِ المرأةِ وإسنادُ أنشطةِ الحريةِ والمساواةِ إلى حقيقةِ المرأةِ لدى الشروعِ بتحليلِ القضايا الاجتماعيةِ أسلوباً بحثياً رئيسياً من جهة، وأرضيةً للجهودِ العلميةِ والأخلاقيةِ والجماليةِ المبدئيةِ من جهةٍ ثانية. ذلك أنّ أسلوبَ البحثِ الذي تَغيبُ فيه حقيقةُ المرأة، وكذلك كفاحَ الحريةِ والمساواةِ الذي لا يتَّخِذُ من المرأةِ مِحوراً له؛ لن يَقدرا على بلوغِ الحقيقة، ولا على نيلِ الحريةِ أو توطيدِ المساواة.

إنّ تعريفَ المرأةِ وتحديدَ دورِها في الحياةِ الاجتماعيةِ شرطٌ أساسٌ من أجلِ حياةٍ سديدة. لا نوضحُ هذا الحُكمَ من جهةِ الخصائصِ البيولوجيةِ للمرأةِ أو وضعِها الاجتماعيّ. فالمهمُّ هو مصطلحُ المرأةِ كوجود. إذ بقدرِ ما تُعَرَّفُ المرأةُ يَغدو تعريفُ الرجلِ أيضاً أمراً وارداً. ومحالٌ علينا صياغةُ تعريفٍ صحيحٍ للمرأةِ والحياةِ انطلاقاً من الرجل. ذلك أنّ الوجودَ الطبيعيَّ للمرأةِ يتحلى بمنزلةٍ مِحوريةٍ أكثر. الأمرُ كذلك بيولوجياً أيضاً. لذا، فلجوءُ المجتمعِ الذكوريِّ المهيمنِ إلى الحطِّ من شأنِ المرأةِ وتهميشِها إلى أقصى الحدود، ينبغي ألاّ يُعيقَ استيعابَنا لحقيقةِ المرأةِ وواقعِها. فطبيعةُ الحياةِ مرتبطةٌ أكثرَ بالمرأة. وإقصاءُ المرأةِ من الحياةِ الاجتماعيةِ إلى آخرِ درجة، لا يؤكدُ خطأَ هذه الحقيقة، بل يؤيدُ صوابَها. ففي حقيقةِ الأمر، يَهجمُ الرجلُ بتعسفٍ وجُورٍ وبقوتِه المُبيدةِ على الحياةِ متجسدةً في المرأة. وعداءُ الرجلِ للحياةِ وإفناؤُه إياها بوصفِه مهيمناً اجتماعياً، هو على علاقةٍ كثيبةٍ مع الواقعِ الاجتماعيِّ الذي عاشَه.

بوِسعِنا اتخاذ قرينةِ الطاقةِ–المادةِ أساساً لدى جعلنا هذا الحُكمَ عالمياً. فالطاقةُ أساسيةٌ أكثر نسبةً إلى المادة. والمادةُ بذاتِها طاقةٌ متحولةٌ إلى بنية. أي أنّ المادةَ هي شكلُ إخفاءِ الطاقةِ وإكسابِها وجوداً ملموساً. بالتالي، فهي بخاصيتِها هذه تَحبسُ الطاقةَ في قفص، وتُوقِفُ تدفقَها. لكلِّ شكلٍ ماديٍّ حصةٌ مختلفةٌ من الطاقة. وبالأصل، فهذا الاختلافُ في الطاقةِ هو الذي يُحَدِّدُ اختلافَ الأشكالِ والبنى المادية. والطاقةُ الموجودةُ في شكلِ المرأةِ ومادتِها تختلفُ عن تلك التي في مادةِ الرجل. ذلك أنّ الطاقةَ الموجودةَ في المرأةِ أكثر كَمّاً ومختلفةٌ نوعاً. وينبعُ هذا الاختلافُ من شكلِ المرأة. وعندما تتحولُ طاقةُ الرجلِ في الطبيعةِ الاجتماعيةِ إلى أجهزةِ السلطة، فإنها تَتَّخِذُ لنفسِها الأشكالَ الماديةَ الملموسة. والأشكالُ تعصبيةٌ في الكونِ برمتِه كونَها طاقةً متجمدة. لذا، فالتحولُ إلى رجلٍ مسيطرٍ في المجتمع، يعني التحولَ إلى تجسيدٍ عينيٍّ للسلطة. وفي هذه الحالةِ تَكُونُ الطاقةُ قد اكتسبَت شكلاً عَينياً. قليلةٌ هي الطاقةُ غيرُ المتحولةِ إلى شكلٍ ملموس، حيث تُشاهَدُ في عددٍ نادرٍ من الأشخاص. أما لدى المرأة، فغالباً ما تُعاندُ الطاقةُ التحولَ إلى شكلٍ ملموس. إذ تُحافِظُ طاقتُها على حالتِها المتدفقة. وتستمرُّ في تدفقِها كطاقةِ حياة، في حالِ لَم تُحبَسْ في شكلِ الرجلِ وقفصِه. والجماليةُ والشاعريةُ لدى المرأة على صِلَةٍ وثيقةٍ مع حالةِ الطاقة غيرِ المُجَمَّدة، والتي تطغى عليها الطاقةُ الكامنةُ للمعنى. ولأجلِ فهمِ هذه الحقيقة، يتوجبُ إدراكُ الحياةِ الحيةِ بكلِّ أعماقِها.

يُمكنُ نسبياً –أو يجبُ – صياغة تعريفٍ للتطورِ الطبيعيِّ لحياةٍ تَصلُ حتى الإنسان. ينبغي أولاً السؤالُ عن غايةِ الحياة. لماذا نعيش؟ لماذا تُواصِلُ الحياةُ نفسَها وتُغذّيها وتصونُها؟ بديهيٌّ أنّ الردّ بضرورةِ المَأكلِ والمَأمَنِ والتكاثرِ لأجلِ الحياةِ ليس جواباً كافياً. إذن، السؤالُ الذي يتوجبُ طرحُه هو: لماذا نتكاثرُ ونتغذى ونحمي أنفسَنا؟ وعندما يَكُونُ الجوابُ: “كي نعيش”، فإننا نَسقطُ حينئذٍ في دوامةٍ مسدودة، مما لا يُفيدُ بإعطاءِ الجواب. تَمُدُّنا ظاهرةُ الفَهمِ والمستوياتُ الذهنيةُ المتطورةُ والمتناميةُ كشكلٍ من أشكالِ الطاقةِ التي تَصِلُ مرتبةَ الإنسان ببعضِ رؤوسِ الخيطِ لأجلِ الجواب. فالتطورُ الطبيعيُّ للكون، والذي يبلغُ منزلةَ الإنسان، يبسطُ للعَيانِ قوةَ معنى متناميةً ومزدهرةً دون انقطاع. وكأنّ الواقعَ الخفيَّ أو الكمونيَّ المستترَ في الكونِ يَرومُ إلى بلوغِ نتيجةٍ أَقرَبُ ما تَكُونُ إلى الانكشافِ والتجلي والفهمِ والإفهام. الحاجةُ إلى الفهمِ والإفهامِ مُحَفِّزُ أساسيٌّ على التطورِ الطبيعيّ. بالتالي، فالسؤالُ الواجبُ طرحُه من الآن فصاعداً، ينبغي أنْ يتعلقَ بالفَهمِ والإفهامِ تحديداً. ما هو الشيءُ المُرادُ فهمُه وإفهامُه؟ إنّ الحُكمَ المذكورَ في الكتابِ المقدس، والذي نصُّه “يقول الله كنتُ سراً. وخلقتُ العالَم لكي تَعلَموني”، قد يَكُونُ جواباً لسؤالِنا. ولكنه غيرُ كافٍ. فالحاجةُ إلى التعريفِ بالذاتِ لا تكفي تماماً لتعريفِ المعنى. لكن، وكأنها تُفشي بسِرِّها في الحياة جزئياً.

إذا تَمَعَّنّا في حقيقةِ المرأةِ وفق هذا المنظورِ الفلسفيّ، فسنَصِلُ إلى نتيجةِ لزومِ عقدِ أواصرِ الحياةِ القَيِّمةِ مع المرأةِ بكلِّ محاسنِها وصوابِها وجمالِها. انطلاقاً من هذا الحُكم، يَغدو مستحيلاً أنْ يَتجسدَ المَرامُ الأصليُّ من الحياةِ مع المرأةِ في التوالُدِ والتكاثُر.

إنّ العيشَ مع المرأةِ في كنفِ الوضعِ القائمِ يُنبِّئُ بنهايةِ الحياة. ولهذه الحقيقةِ عددٌ لا نهايةَ له من الإشاراتِ والدلائل. وإذا ما رَتَّبنا تلك الدلائل:

  • تمَّ بلوغُ مرحلةٍ لا يتّسعُ فيها الكونُ للتزايد السكانيِّ الذي غدا يُهَدِّدُ الكائناتِ الحيةَ الأخرى. وهكذا نوعٌ من الحياةِ مع المرأةِ القابعةِ تحت نيرِ الوضعِ الحاليّ، يُهدِّدُ طبيعةَ الحياةِ وبيئتَها بسرعةٍ متزايدةٍ يوماً وراء يوم.
  • كما أنّ هذه الحياةَ تفتحُ الطريقَ أمام عنفِ السلطةِ اللامحدودِ داخلَ المجتمعاتِ وخارجَها. والمستوى الذي وصلَته العسكرتاريةُ يُثبِتُ صحةَ هذه الحقيقةِ بما فيه الكفاية.
  • لقد صُيِّرَ الجنسُ لدى المرأةِ أداةً استغلاليةً مُرَوِّعة. وطُبِّقَ عليها قمعٌ واستغلالٌ فظيعان. كما حُرِّفَت الحياةُ كلياً عن مَجراها بحيث تكادُ تعني –فقط وفقط –شذوذاً جنسياً متكرراً بلا جدوى.
  • أصبحَت المرأةُ المُهَمَّشةُ طردياً من المجتمعِ أداةً ضروريةً لا بدَّ منها لإدامةِ النسل، وسلعةً جنسية، وقوةً عاملةً هي الأبخسُ على الإطلاق. وكأنه لَم يَعُدْ لها أيُّ معنى آخر.
  • وكأنه تُرتَكَبُ إبادةٌ ثقافيةٌ ضد المرأة. حيث لا قيمةَ لها سوى من خلالِ دورِها في ممارسةِ الجنسِ وإدامةِ النسل، ومن حيث كونِها عضواً مجانياً في جيشِ العاطلين عن العمل أو يداً عاملةً بخسة. لقد جُرِّدَت من قوةِ الدفاعِ الذاتيِّ التي تُمَكِّنُها من حمايةِ نفسِها جسدياً وأخلاقياً ومعنىً.
  • إنّ مجتمعاً يتركُ المرأةَ تتخبطُ بين مخالبِ حياةٍ بلا معنى في ظلِّ هذه العواملِ والمؤثرات، لا يُمكنُ إلا أنْ يَكُونَ مجتمعاً مريضاً. فالمرأةُ المفتقرةُ إلى المعنى، يصبحُ مجتمعُها أيضاً بلا معنى.

ولأجلِ العيشِ في مستوى الشراكةِ الحرةِ مع المرأةِ باعتبارِها أطروحةً مضادة، بإمكاننا إيجاز ما يَلزمُ تحقيقُه على الشكلِ التالي:

  • ثمة حاجةٌ ماسةٌ أولاً إلى مصطلحِ حياةٍ نديةٍ أيكولوجية، لا تَعمَلُ أساساً باستمرارِ النسلِ والتكاثر، بل تتلاءمُ والطموحاتِ العالميةَ للبشرية، وتقتفي أثرَ نشوءِ الكائناتِ الحيةِ الأخرى على سطحِ الكوكب. ذلك أنّ المستوى الذي حققَه المجتمعُ عالمياً، يَجعلُ من الحياةِ الحرةِ مع المرأةِ ضرورةً حتمية. والاشتراكيةُ الحقةُ لن تُشادَ إلا بالتأسيسِ على الحياةِ الحرةِ مع المرأة. وأولوياتُ الاشتراكيةِ تتمثلُ في بلوغِ مستوى الحياةِ الحرةِ مع المرأةِ دون بُدّ.
  • لأجلِ ذلك، يتوجبُ الكفاحُ ذهنياً ومؤسساتياً تجاه السلطةِ المهيمنةِ للرجلِ الحاكم، وضمانُ نصرِ هذا الكفاحِ ذهنياً ومؤسساتياً على صعيدِ الشراكةِ النِّدِّيّةِ الحرة. حيث محالٌ تحقيقُ الحياةِ الندِّيةِ الحرة، ما لَم يُحرَزْ هذا النصرُ والنجاحُ الموفَّق.
  • يجب ألاّ يُنظَرَ إلى العيشِ مع المرأةِ على أنه لغرضِ إدامةِ الغريزةِ الجنسيةِ تكراراً ومِراراً. حيث لا يُمكنُ تحقيقُ الحياةِ الندِّيةِ الحرة بتاتاً من دونِ القضاءِ على حياةِ الجنسويةِ الاجتماعيةِ في جميعِ المجالاتِ الذهنيةِ والمؤسساتية، والتي دامت طيلةَ تاريخِ المدنية، وبلغَت أبعاداً مُرَوِّعةً مع الحداثةِ الرأسمالية. فالعيشُ مع المرأةِ في كنفِ البراديغما والمؤسساتِ التي تراها ظاهرةَ مُلكٍ ومادةً جنسية، لا يدلُ على الانحطاطِ الأخلاقيِّ فحسب، بل وهو أَقبَحُ أشكالِ الحياةِ وأكثرها خطأ. وما مِن مثالٍ على ظاهرةٍ اجتماعيةٍ أخرى قادرةٍ في ظلِّ هذه الظروفِ على تفسيخِ المرأة، وبالتالي الرجل، والحطِّ من شأنِهما.
  • حياةُ الشراكةِ الندِّيةِ الحرةِ مع المرأةِ غيرُ ممكنة، إلا في الظروفِ والأجواءِ التي تُرفَضُ فيها المُلكيةُ وتُفَنَّد، والتي يَكتَمِلُ فيها تجاوُزُ الجنسويةِ الاجتماعيةِ المُسَخَّرة للتملك، وتُوَطَّدُ فيها المساواةُ المجتمعية (الوحدة ضمن الاختلاف) على جميع المستويات.
  • حياةُ الشراكةِ الندّيةِ الحرةِ غيرُ واردة، إلا مع المرأةِ التي لَم تَعُدْ أداةً لاستمرارِ النسل، ولا عاطلةً عن العمل، ولا يداً عاملةً بخسةً أو مجانية؛ بل خرجَت من كونِها موضوعاً شيئياً وحَقَّقَت ذاتيتَها على جميعِ الصُّعُد.
  • لن يتماشى المجتمعُ مع حياةِ الشراكةِ الحرة، إلا في ظلِّ هذه الظروف الإيجابية، ليتمكنَ بالتالي من التحولِ إلى مجتمعٍ تَسُودُه المساواة والحرية.
  • حياةُ الشراكةِ النِدّيةِ الحرةِ واردةٌ بين النساءِ والرجالِ الذين طَوَّروا قِيَمَهم البنيويةَ والعقليةَ في كنفِ الأوساطِ المجتمعيةِ الإيجابية.

بقدرِ ما يَكُونُ مستوى العلاقاتِ في حياةِ الشراكةِ الندّيةِ علمياً وفنياً وفلسفياً، فسيَغدو قادراً على إفساحِ الطريقِ أمام المجتمعِ الاشتراكيِّ بالقدرِ عينِه.

ثمة أمورٌ مهمةٌ تستلزمُ انتباهَ المرأةِ والرجلِ أثناء ممارسةِ الحياةِ الندّيةِ الحرة. فبالنسبةِ إلى المرأةِ التي تحظى بفرصةِ الحياةِ الحرةِ أو تَرومُها، يُمكننا ترتيبُ ما ينبغي فِعلُه كالتالي:

  • على المرأةِ أنْ تَعرفَ سَلفاً أنّ شروعَها بمُشاركةِ الرجلِ في ممارسةِ الجنسِ ليس محدوداً بالإشباعِ البيولوجيِّ المحض. بل ستَكُونُ حينئذٍ وجهاً لوجهٍ أمامَ براثنِ القوةِ والسلطة. حيث يُعادِلُ وضعُها هذا النومَ مع النمرِ في قفصِه. وبالأخصِّ أنّ حالةَ الرجلِ الشبيهةَ بحالةِ النَّمِرُ المحبوس الذي يعاني الجوعَ والأَسْر، قد تُفسِحُ الطريق أمام إنزالِ الرجلِ ضرباتٍ مميتةً عليها بمخالبِه. لذا، على المرأةِ الإدراك جيداً أنّها بعدَ دخولِ القفصِ بعلاقةِ الزواجِ الكلاسيكية، لن تَقدِرَ على الخروجِ منه سليمةً بهذه السهولة. بل وستَدفعُ ثمنَ دخولِها القفص، إما بحياتِها أو بتَحَوُّلِها إلى أنثى النَّمِرِ المستسلمةِ كلياً. ونمطُ أنثى النَّمِرِ يُمَثِّلُ المرأةَ المُستَرجِلة. وهي قبيحةٌ ومُقرِفة. هذا وتؤدي ممارسةُ الجنسِ بين الرجلِ المتحكمِ والمرأةِ المسترجلةِ المستسلمةِ دوراً رئيسياً في بروزِ ورسوخِ هذه الشناعةِ البغيضة. عندما يتباهى الرجالُ بيَومِ “إفساد” عذريةِ المرأة، فإنّ الدافعَ وراء ذلك ليس غريزةَ إشباعِ الذات (كظاهرة بيولوجية). بل يَعُودُ ذلك إلى نصيبِ هذه العلاقةِ من تَشَكُّلِ ثنائيةِ السلطة–العبد. إذن، فـ”الإفسادُ” هو بدايةُ الحُكمِ على المرأةِ بعبوديةٍ أبدية. تُمَهِّدُ السلطةُ الطريقَ لبروزِ عاطفةِ السيادة، مما مفادُه إثباتَ الرجلِ لرجولتِه. ثم يُطَبَّقُ هذا الأسلوبُ على الشبانِ اليافعين أيضاً. هكذا تُطَبَّقُ مؤسسةُ العبوديةِ على كِلا الجنسَين. إنّ عدمَ انسياقِ المرأةِ وراءِ العلاقةِ الجنسيةِ بقدرِ الرجل، يُعزى إلى مؤسسةِ العبودية. والممارسةُ الجنسيةُ التي أَكثَرَت الحداثةُ الرأسماليةُ منها بما لا حَصر له، هي وسيلةُ العبوديةِ الأوسع نطاقاً مما فُرِضَ على النوع البشريّ. وهي تَؤولُ إلى فرصٍ لا محدودةٍ من السلطةِ والاستغلال. من هنا، فتشكيكُ أغلبِ الأديانِ بهذه العلاقةِ هو أمرٌ ذو معنى، وله روابطُه مع إفساحِها المجالَ أمام الانحطاطِ والتدنّي والقُبحِ والخروجِ عن الحقيقة.
  • على المرأةِ أنْ تُطَوِّرَ نمطَ حِراكِها قبل البدءِ بزواجِ الشراكة، مُدرِكةً تماماً أنّ الرجلَ الذي يقفُ بالمقابلِ منها في جميعِ ميادينِ مجتمعِ الحاكميةِ الذكورية سيتحركُ كالنَّمِر المتأهب للانقضاضِ على فريستِه في كلِّ لحظة. فعندما تَسنَحُ الفرصةُ للرجلِ النَّمِر، أي عندما يتغلبُ على العوائقِ الاجتماعيةِ المنتصبةِ أمامه في هذا السياق؛ فسيَنقضُّ بأنيابِه على المرأةِ بكلِّ تأكيد. حيث سيَوَدُّ الرجلُ السلطويُّ اصطيادَ المرأةِ في هذه اللحظة، دون أنْ يَأبَهَ بأيِّ معيارٍ أخلاقيٍّ أو رادعٍ وجدانيّ. ولن يَصُدَّه عن ذلك السِّتارُ الدينيُّ ولا القانون. لذا، على المرأةِ أنْ تَعلَمَ بهذا الوضعِ قبل أنْ تَخرجَ إلى المَسرحِ الاجتماعيّ. أو بالأحرى، عليها ألا تَظهرَ على الساحاتِ الاجتماعيةِ غيرِ المُسعِدة، ما لَم تتسلحْ بدفاعٍ ذاتيٍّ مضمونٍ وآمِن.
  • عليها الاستيعاب بأحسنِ حالٍ أنّ هدفَ الحداثةِ الرأسماليةِ الأساسيَّ مُعَبَّأٌ بمساعي تصيير المرأةِ عبداً عصرياً، سواء بالأساليبِ القاسيةِ المُعَبِّرةِ عن قوةِ المالِ والسلطةِ بشكلٍ خاص، أم بالأساليبِ المَرِنةِ التي تَعكِسُ قوةَ الفنونِ وعلى رأسِها الآداب. أي أنّ الحداثةَ بمثابةِ قوةٍ هجوميةٍ مُسَلَّطةٍ على المرأةِ بدرجةٍ تُضاهي ما هو عليه رَجُلُ المجتمعاتِ القديمةِ أضعافاً مضاعفة، سواء بأساليبِ المالِ والسلطة، أم بوعودِ العشقِ التي لا تنتهي. لا يَذهبُ بحثُ المرأةِ عن الحياةِ الحرةِ في معناه أبعدَ من كونِه وَهماً أجوفاً مقابلَ قوةِ الرجلِ الحاكمِ المُرَوِّعة بشأنِ المالِ والعشق. لن تتخلصَ المرأةُ من تَكَبُّدِ الهزيمةِ تجاه الرَجُلِ في ظلِّ الحداثةِ القائمة، مهما أَبدَت مواقفَها بكلِّ صفائِها وحُسنِ نواياها وحركاتِها الجميلة، ومهما تلَهَّفَت لحياةِ الشراكةِ الندّيةِ الحرة. أي أنّ كلَّ الطُّرُقِ ستؤدي إلى عبوديةِ المرأةِ العصرية.
  • ولَئِنْ كانت المرأةُ مُصِرّةً على البقاءِ حرةً رغمَ وطأةِ المجتمعِ الذكوريِّ الحاكمِ هذا، فعليها عندئذٍ أنْ تتَحَمَّلَ الوحدةَ الكُبرى والانزواءَ الأقصى، أو أنْ تحتمل مَشَقّاتٍ نضاليةً مليئةً بالكفاحِ الاشتراكيِّ الدؤوبِ في كلِّ لحظةٍ من لحظاتِه. تَسري الوحدةُ على الحالاتِ النادرة، فيما تَقتضي الحياةُ الاشتراكيةُ حياةً أنثويةً مقدسةً نظيرةً لثقافةِ الإلهةِ الأنثى القديمة. هذا ويجب وضعُ إحدى مزايا الإلهاتِ نُصبَ العَين. ألا وهي عدمُ زواجِهن من الرجالِ البشر. في حين أنّ التاريخَ يُخبِرُنا أنه عندما صارَ الرجلُ إلهاً، لَم يَعُدْ للإلهةِ الأنثى أَثَرٌ ملحوظ. بالتالي، لَم يَبقَ ثمة خيارٌ سوى التحولُ إلى مَلاكٍ أنثى. لكنّ المَلاكَ الأنثى تُمَثِّلُ نوعاً ما المرأةَ الخائرةَ التي فَقَدَت قوتَها الجنسية. وامرأةٌ كهذه لا يَذهبُ دورُها في المجتمعِ أَبعدَ من أداءِ دورِ الرسول. أما تصويرا إينانا وأفروديت في الميثولوجيا، فيُشيران إلى رمزَي امرأتَين مختلفتَين. حيث يُمَثِّلان المرأةَ التي لَم تَخسَرْ بَعدُ جمالَها وجاذبيتَها الجنسيةَ وقوتَها الجسدية. إنّ العنصرَ الذي تَبحثُ عنه إينانا – أفروديت كإلهةِ العشقِ من أجلِ حياةِ الشراكة، هو العنصرُ الخَليقُ بمشاركتِه إياها الحياةَ الندّيةَ الحرة. ينبغي الإدراك جيداً أنّ عنصراً كهذا غالباً ما يَكُونُ رجلاً شِبهَ إلهٍ –لا غير– مثلما بروماتوس. يُمكِنُ تصويرُ هذا العنصر، أو حتى الرجلِ بالأغلب، كمجردِ شكلٍ رمزيّ؛ سواء تاريخياً أم في وقتِنا الراهن. وتَجسيدُه عَينياً أمرٌ واردٌ لدى خوضِ صراعٍ خارق. حيث محالٌ تحقيقُه، من دونِ إلحاقِ الهزيمةِ بآلهةِ الحداثةِ الرأسماليةِ غيرِ المُقَنَّعةِ والمُعَبَّأة بقواها المُهيبة. أي أنه تجسيدٌ ليس بالمستحيل، ولكنّه عسير. وأنْ تَكُونَ اشتراكياً أمرٌ واردٌ نوعاً ما من خلال تجسيدِ رمزِ إينانا–أفروديت ورمزِ بروماتوس.

بالمقدورِ إيجازُ ما على الرجلِ فِعلُه أولاً كالتالي، ما دام يتطلعُ إلى حياةِ الشراكةِ الحرة:

  • على هذا الرجلِ أنْ يَعلَمَ أنّ المرأةَ البارزةَ أمامَه قد تَعَرَّضَت لرِهانِ شتى أنواعِ العبوديةِ طيلةَ تاريخِ المدنيةِ المُعَمِّرةِ خمسَ آلافٍ من السنين، وبالأخصِّ في ظلِّ هيمنتِها الرأسماليةِ التي يَبلغُ عمرُها خمسةَ قرون. ولَم يَبقَ لهذه المرأةِ سوى التحولُ إلى أنثى مُتَنَمِّرةٍ مقابل الرجلِ المُتَنَمِّر. وقد شُيِّدَت كافةُ استراتيجيات حياتِها وتكتيكاتِها لحظةً بلحظةٍ على هذه الأرضية. وإذ ما قَرَأنا الأمرَ معكوساً، فهي أيضاً لديها قفصُها الذي توَدُّ إسقاطَ وحبسَ الرجلِ الندِّ فيه. فإذا كان الرجلُ يَطمحُ إلى حياةٍ ندّيةٍ حرة، فإنّ خلاصَه من هكذا استراتيجياتٍ وتكتيكاتٍ خاصةٍ بالمرأةِ أمرٌ شاقّ، بقدرِ ما هي عليه مَشَقَّاتُ المرأةِ الأَمَة بأقلِّ تقدير. لذا، فالخلاصُ من تلك الاستراتيجياتِ والتكتيكاتِ التي تُسَيِّرُها المرأةُ كعبوديةٍ مضادة، يُعَدُّ ميدانَ حربٍ أوليةٍ بالنسبةِ للرجلِ الاشتراكيِّ المتطلعِ إلى حياةٍ ندّيةٍ حرة. ومن دونِ كَسبِه هذه الحرب، فلن يَتمكّنَ من خطوِ خطوةٍ واحدةٍ على دربِ نضالِ المجتمعِ الاشتراكيّ.
  • على الرجلِ المندرجِ في زواجِ الشراكةِ أنْ يدركَ أنه مُعَرَّضٌ لتأثيرِ مؤسسةِ العبوديةِ بقدرِ المرأةِ على الأقل. ولأجلِ تذليلِ مساوئِ هذه المؤسسة، فعليه أنْ يَندفعَ دوماً وراء الحياةِ الاشتراكيةِ ضمن نطاقِ المنزل. ذلك أنّ الحياةَ مع المرأةِ الأَمَة تُعاشُ بعبوديةٍ وبنحوٍ خاطئ. من هنا، فإنّ تَخَطّي ثقافةِ بيوتِ الدعارةِ المُخَصخَصة يقتضي النجاحَ في التحلي بثقافةِ الحياةِ الندّيةِ الحرة.
  • يجب خوضُ الصراعِ مع النَّفْسِ دوماً وبمنوالٍ مُوَفَّقٍ تجاه تسليطِ الحداثةِ الرأسماليةِ للثقافةِ الجنسويةِ المُغوِيةِ والمُغرية. ذلك أنّ الاستراتيجياتِ والتكتيكاتِ المُطَوَّرَة لغرضِ تأمينِ استسلامِ الرجلِ مُهلِكةٌ ومُبيدةٌ بقدرِ أَسرِ المرأة. ينبغي عدم النسيانِ أنّه، وفيما صُيِّرَ الرجلُ في الحداثةِ الرأسمالية ذكورةً مُغالى بها بيولوجياً من جهة، فقد جرى تأنيثُه من الجهةِ الأخرى عبرَ جميعِ ثقافاتِها الاجتماعية. أي، وبينما يُنَمَّرُ الرجلُ الجنسويُّ البيولوجيُّ بإفراطٍ من ناحية، فإنه يُحَوَّلُ من ناحيةٍ ثانية إلى قطةٍ ذاتِ ثقافةٍ أنوثية (أنثى تطغى عليها العبودية). لذا، يستحيلُ التحولُ إلى امرئٍ اشتراكيّ، أو خوضُ نضالِ المجتمعِ الاشتراكيّ؛ ما لَم تُقَوَّض هذه الذكورةُ التي تَفرضُها الحداثة.
  • نضالُ الرجلِ الحرِّ ضروريٌّ بقدرِ نضالِ المرأةِ الحرةِ على الأقلّ، في سبيلِ ترسيخِ حياةِ شَراكةٍ نِدّيّةٍ حرةٍ في وجهِ كل هذه المساوئ. والرجولةُ الحرةُ غيرُ ممكنةٍ سوى بتخَطّي شخصيةِ الرجلِ المُستَعبَدِ بالمقلوبِ على يدِ المجتمعِ الذكوريِّ الحاكم. هذا ومن اللازمِ نيلُ مرتبةِ العَلاّمةِ والعَرَّافةِ التي لا تَفتأُ ساريةً في واقعِنا الاجتماعيّ. وكيفما “لا يُولَدُ المرءُ رجلاً، بل يُصبحُ رجلاً”، فإنه يُولَدُ بالمقابلِ كرجلِ مَدَنيّة، ولكنْ بمقدورِه أنْ يُصبحَ أيضاً رجلاً حراً. أما رمزُ رجولةِ بروماتوس، فليس بالإمكانِ تجسيدُه ميدانياً في عصرِنا، إلا بعِلمِ العصرانيةِ الديمقراطيةِ وفلسفتِها وفنونِها. من الأهميةِ الإدراكُ أنّ الحياةَ هي هدفُ الميثولوجيا والدينِ والفلسفةِ والعِلمِ والفنّ، وأنّه يأتي في صدارةِ أدوارِها تحقيقُ وبناءُ الشراكةِ الحرةِ والتزاوُجِ الحرّ. وبعدَ استيعابِ ذلك ينبغي تصييره أخلاقياً وجمالياً. فالزيجاتُ العصريةُ القائمةُ ما هي إلا استمرارٌ لثقافةِ السلالاتيةِ الهرمية (وهي ثقافةٌ مُعَمِّرةٌ حوالي سبعَ آلاف سنة). وهي مشحونةٌ بتضمينِ شخصيةِ المرأةِ والرجلِ بثقافةِ ومقاييسِ الاغتصابِ والاعتداءِ إلى الحدِّ الأقصى متمثلةً في الشرف؛ وذلك بوصفِها الساحةَ التي تُنتَجُ فيها قِيَمُ المجتمعِ الدولتيِّ الأولية. من هنا، فمن الضروريّ النظرُ إلى تفشي حالاتِ الطلاق وانهيارِ مؤسسةِ العائلةِ وعدمِ تَحَقُّقِ العشق على أنه محصلةٌ لثقافةِ الاغتصابِ المُضَمَّنةِ في الشخصيات، والطامعةِ في السلطةِ والاستغلال. بناءً عليه، لا يمكن تحقيقُ المجتمعِ الحرِّ الاشتراكيِّ في وجهِ ثقافةِ الاغتصاب، إلا بالشخصياتِ المُترَعةِ لحظياً بالفلسفةِ والعلمِ والأخلاقياتِ والجماليات. ومن الواضحِ جلياً أنّ حَيَواتِ الشراكةِ الندّيةِ الحرةِ التي ستتحققُ تأسيساً على ذلك، سوف تُسفِرُ باستمرار عن الجمالِ والصوابِ والفضيلةِ بالنسبةِ للأفرادِ والمجتمع.

 

 

لن يَسَعَنا الحظيُ بالحياةِ المعجزويةِ البهيةِ التي هدَمَتها الحداثةُ الرأسمالية، ولا مشاطرتُها؛ إلا بحياةِ الشراكةِ الندّيةِ الحرة، وبشخصيتِها الاشتراكيةِ وكفاحِها الاجتماعيّ. انطلاقاً من ذلك، ينبغي اعتمادُ تربيةِ الأطفالِ –وبالأخصِ البنات– وتَنشِئَتِهم على ذهنيةِ الحرية منذ الصِّغَر داخل مؤسساتِ العصرانيةِ الديمقراطية، وسَوقِهم بالكفاحِ الاجتماعيِّ الاشتراكيِّ الديمقراطيّ إلى الحياةِ العمليةِ نمطاً لحياتِنا. وبالتالي علينا اكتسابُه وتحبيذُه وإنجاحُه.