عندما يتعلق الأمر بمسألة الأخلاق عليكنّ أن تَقُلنّ “ها هي أنا”، وستَكُنّ لأنفسكن
عندما يتعلق الأمر بمسألة الأخلاق عليكنّ أن تَقُلنّ “ها هي أنا”، وستَكُنّ لأنفسكن
“للوصول إلى حقيقة المرأة الحرة
أبدعتُ في تطوير المرأة الحرة والعاشقة لهذه المسيرة.
لم يسبق لي أن نظرتُ إلى أي امرأة بنظرة مُلك،
وبالتالي لم أسمح لأي إنسان بأن ينظر للمرأة بتلك النظرة.
وكنتيجة طبيعية كوّنتُ شخصيتي بأن أسير في هذا الطريق
إلى الأبد ودون التنازل عن قيم الأخلاق والجمال.
لا يمكنك أن تعيش حياة صحيحة في طريق حياة خاطئة.
والحياة الجيدة والجميلة لا يمكن أن نعيشها في طريق حياة سيئة وقبيحة”
المفكر عبد الله أوجلان
أنا مرتبط بمبدأ؛ “إما أن تكون الحياة حرة، أو لا تكون على الإطلاق” من الولادة وحتى الموت أو إلى الأبد. الحب والاحترام ممكنان مع الجمال والأخلاق الحرة. ومن الصواب وضع المرأة في مركز هذا الأمر. لم يكن لدي أدنى شك في أن المرأة الحرة التي تخلق من حولها الحرية والحياة ستكون الأجمل والأكثر ودية.
لم أخضع لتأثير عقدة النقص. وبدلاً من التقرب حسب الذهنية الذكورية المهيمنة ونظرة الدين والمجتمع الذي تهيمن عليه الذكورة ومفهوم الآلهة في عدم إعطاء أي قيمة لمفهوم المساواة بين المرأة والرجل، فأنا على العكس أعطيت المعنى الكبير لحقيقة المرأة.
للوصول إلى هذا المستوى أبدعتُ في تطوير المرأة الحرة والعاشقة لهذه المسيرة. لم يسبق لي أن نظرت إلى أي امرأة بنظرة مُلك، وبالتالي لم أسمح لأي إنسان بأن ينظر للمرأة بتلك النظرة. وكنتيجة طبيعية كونتُ شخصيتي بأن أسير في هذا الطريق إلى الأبد ودون التنازل عن قيم الأخلاق والجمال. لا يمكنك أن تعيش حياة صحيحة في طريق حياة خاطئة. والحياة الجيدة والجميلة لا يمكن أن نعيشها في طريق حياة سيئة وقبيحة. إن الكارثة الأشد قسوة من الأزمات والحروب من أجل الحياة هي التعلق العبودي بعلبة الحياة الافتراضية التي تؤدي إلى انقطاع جذري عن إدراك الحقيقة؛ وهذا يعني العيش على المسار الخاطئ والقبيح والشرير الذي تم رسمه بالفعل. وللتخلص من هذه المفاهيم يجب خوض الفعاليات الكثيفة الاجتماعية المختلفة، بما في ذلك القيام بالثورة، لجعل الحياة صحيحة وصحية. ولهذا الغرض يتم إنشاء الأخلاق، والجمال، والفلسفة، والعقلية العلمية، والإرادة.
المشكلة الاجتماعية هي مشكلة جماعية. لهذا السبب اقترحتُ مفهوم الأخلاق والجمال. وبما أن المرأة وباعتبارها العنصر الأساسي في المجتمع الأخلاقي والسياسي، فهي تلعب دوراً حيوياً في الوصول لأخلاقيات الحياة وجمالياتها على ضوء الحرية والمساواة والتحول الديمقراطي. الأخلاق وعلم الجمال جزء لا يتجزأ من علم المرأة. ولا جدال في أن المرأة، بحكم مسؤوليتها الثقيلة في الحياة، ستقدم توسعات وتطورات كبيرة على مستوى الفكر والممارسة العملية في كافة القضايا الأخلاقية والجمالية. إن علاقة المرأة بالحياة أشمل بكثير من علاقة الرجل، وهذا مرتبط بالذكاء العاطفي الذي تتحلى بها المرأة. ولذلك فإن جمال الحياة بالنسبة للمرأة هي قضية وجودية.
الجمال ظاهرة اجتماعية، فمن الممكن حتى أن تحوّل القبيح إلى الجميل. ومن الخطأ حصر القضية بالجانب الجسدي فقط. ونشاهد أولئك الذين يحاولون جعل جسدهم جميلاً من خلال القيام بعمليات التجميل واستخدام مستحضرات وكماليات التجميل لهذا الغرض. حتى وأننا نرى بأن الذين حاولوا أن يكونون جميلين، بعد ثلاثة أشهر تراهم مثل القرود. لقد حددتُ الأخلاق والجمال في شخصية المرأة. عندما يتعلق الأمر بمسألة الأخلاق عليكن أن تَقُلن “ها هي أنا“، وستَكُنّ لأنفسكن.
فالمرأة هي الريادية الأساسية في تشكيل الأسرة الديمقراطية والمجتمع العصراني. انضمام المرأة لكافة المجالات الإدارية تخلق منها شخصية قوية وبطبيعتها ميزات الإدارة الطبيعية موجودة. بدون مشاركة المرأة للقضايا الإدارية فالنواقص ستكون مستمرة في المجتمع، لذلك نظام الرئاسة المشتركة نظام متساوي وحقوقي في كافة المجالات وهي تخلق الفرصة للجنسين بأن يديروا الأمور الاجتماعية بمعرفة وعلمية مأسسة على ركيزة المرأة المتحررة فكرياً وجسدياً وثقافياً واجتماعياً.
هناك الكثير من المصطلحات التي علينا مراجعتها مرة أخرى وأن نتعمق في معانيها ومغزاها، ومنها:
السلطة:
يتصدرُ مصطلحُ السلطةِ لائحةَ المصطلحاتِ المتضاربة، والمؤديةِ إلى الأخطاء، والمتسببةِ بأكثرِ المشقاتِ لدى تحليلِ الواقعِ الاجتماعيّ؛ وكأنه يُعانِدُ صياغةَ تعريفٍ واضحٍ له شكلاً ومضموناً. ويَنعكِسُ ذلك على تعريفِ الحاكميةِ الكامنةِ في طبيعتِه، ويُعانِدُ صياغةَ تعريفٍ واقعيٍّ له، فلا يُبرِزُ ذاتَه بوضوح. إذ يَبدو وكأنه ظاهرةٌ حياديّةٌ ولكنْ لا يُمكنُ الاستغناءُ عنها. كما يُعَمِّمُ ذاتَه، ويُصَيِّرُها مُطلقةً بحيث تكادُ تصبحُ إلهية. من هنا، فالأصحُّ هو تعريفُ السلطةِ الاجتماعيةِ بكونِها استغلالاً اقتصادياً مُرَكَّزاً وإمكانيةَ قوةٍ مُكَثَّفة (طاقة كامنة). وهكذا فإنّ السلطةَ التي أصبحَت وكأنها ذات طابعٍ جينيٍّ في كلِّ البؤرِ البنيويةِ والعقليةِ للمجتمع، تُقدّم الإمكانياتِ للاستغلالِ والقوةِ المتراكمَين. في حين إنّ القوى الاجتماعيةَ المستوليةَ على آليةِ هذه السلطةِ تُشَكِّلُ الدولةَ التاريخيةَ العينيةَ ونُخَبَها الاستغلاليةَ وطبقاتِها. لذا، من عظيمِ الأهميةِ إضفاءُ المعنى على السلطةِ من حيث كونِها طاقةً احتياطيةً كامنةً لكياناتِ الطبقةِ والدولة. أما السلطةُ التي تتجسدُ طاقتُها الكامنةُ بشكلٍ ملموس، فإنها تُشَكِّلُ دولةً ما بطبقتِها الاستغلاليةِ الاجتماعيةِ التي ترتكزُ إليها نُخَبُها الحاكمة (العبودية، الإقطاعية، البورجوازية وما شابه). كما وبالإمكانِ التفكيرُ في السلطةِ من حيث هي طاقةٌ كامنةٌ لقوةٍ جسديةٍ وفكرية. الدافعُ المهم الآخرُ لفرضِ السلطةِ نفسَها على المجتمعِ وكأنها ضرورةٌ حتميةٌ ولازمةٌ باستمرار، يتمثلُ في المطابقةِ بين وجودِها وبين الحاجةِ إلى الإدارةِ المجتمعيةِ الطبيعية. أي أنّه يغدو لا غنى عن السلطةِ لمطابقتِها ذاتَها مع ظاهرةِ الإدارة. في حين سيُرى أنّ السلطةَ تتسللُ إلى البنيةِ الاجتماعيةِ كوَرَمٍ سرطانيّ، إذ ما تمَّ تمييزُها عن قيادةِ المجتمعِ الطبيعيّ.
من الأهميةِ أيضاً ملاحظةُ الفارقِ بين السلطةِ والدولة. فرغمَ انتشارِ السلطةِ في المجتمعِ وتغلغُلِها في كافةِ مساماتِه بدرجةٍ أكبر، إلا أنّ الدولةَ تُعَبِّرُ عن هويةِ سلطةٍ أكثر ضيقاً وذاتِ ضوابط ملموسة. بمعنى آخر، فالدولةُ شكلٌ من أشكالِ السلطةِ الخاضعةِ لرقابةٍ أكبر، والمرتبطةِ بالقواعد، والمتحولةِ إلى قانون، والتي تُبدي عنايةً فائقةً لشرعنةِ ذاتِها. وبينما تُقَيَّمُ السلطةُ كحالةِ نفوذٍ عامّ، فإنه بالمستطاعِ الحكمُ على اللاسلطةِ كحالةِ عبوديةٍ عامة. واختلافُ أشكالِ السلطةِ والعبوديةِ متعلقٌ بالمزايا العامةِ للدولة، إذ تنتهلُ غَيضَها من فَيضِها. لذا، بالوِسعِ الحكمُ عليها أيضاً بأنها مضادةٌ للحرية. فبقدرِ تواجُدِ كُمونِ السلطةِ في المجتمع، فإنّ غيابَ الحريةِ يَسُودُ بالمِثل. وبقدرِ التقليلِ من السلطة، فإنّ وضعَ الحريةِ يُحقِّقُ التطورَ بالمِثل. لذا، ينبغي الانتباه جيداً للحنينِ إلى السلطةِ بين صفوفِ المجتمع. فبقدرِ استفحالِه يتكاثرُ المستبِدّون الاجتماعيون الصغارُ بالمِثل. وهذا ما يؤولُ إلى استهلاكِ الديمقراطيةِ تماماً. ولا مناصّ من تحوُّلِ الاستبداديةِ التي هي مَرَضٌ سلطويٌّ إلى عملاقٍ مارد، في حالِ تَمَلُّصِها من الرقابةِ وتحرُّرِها من قيودِها، مثلما لوحِظَ في مثالِ هتلر. إنّ الاستبداديةَ البارزةَ تاريخياً في هيئةِ حُكمٍ مِزاجيّ، والتي تَسودُ كأورامٍ اجتماعيةٍ فاشية؛ تتضخمُ بسرعةٍ في سياقاتِ السلطةِ الرأسمالية، مستشريةً في جميعِ المساماتِ الاجتماعية، ومتجسدةً في حُكمِ قوةٍ توتاليتاريةٍ ضمن المجتمع. أما شكلُ السلطةِ من طرازِ الدولةِ القومية، فله أواصرُه مع النظامِ الرأسماليِّ–الفاشيّ، مُعَبِّراً بذلك عن وضعِه الأولويّ.
الإدارة:
التعريفُ الصحيحُ لظاهرةِ الإدارةِ مهمٌّ على صعيدِ تلافي السلبياتِ وقِصَرِ النظرِ الناجمِ من ظاهرةِ السلطة. الإدارةُ أيضاً كما الثقافة، ظاهرةٌ مستداماً كما الثقافة، ظاهرةٌ مستمراقضة ةٌ في المجتمع. وإذا عَمَّمنا أكثر، فهي تُعادِلُ الرقيَّ الدماغيَّ على المستوى الكونيّ، وتَرَكُّزَ الحالةِ العصبيةِ ضمن الكونِ البيولوجيِّ بصورةٍ خاصة. وتُعبِّر الإدارةُ عن حالةِ الانتظامِ في الكونِ وعن حالةِ الهربِ من الفوضى. والوضعُ الراقي لطبيعةِ المعنى ذاتِ الذكاءِ المرنِ في المجتمع، يقتضي بدورِه رقيَّ القدرةِ على الإدارة. من الممكنِ تسميةُ الإدارة على أنها “العقل المجتمعيّ”. ومن المهمِّ في هذه الحالةِ تحليلُ مصطلحَي الإدارةِ الذاتيةِ والإدارةِ الدخيلة. فبينما تَقومُ الإدارةُ الذاتيةُ بتنظيمِ القُدُراتِ الكائنةِ في طبيعتِها الاجتماعيةِ ومراقبتِها، وتُؤَمِّنُ بالتالي سيرورةَ المجتمع، وتَضمَنُ مَأكلَه ومَأمَنَه؛ فإنّ الإدارةَ الدخيلةَ “تُشَرعِنُ نفسَها” كسلطة، وتعملُ على إغواءِ المجتمعِ المُسَلَّطةِ عليه (تحاولُ نثر دماغه)، لتَقدِرَ بالتالي على حُكمِه بعدَ تحويلِه إلى مستعمَرة. من هنا، فالإدارةُ الذاتيةُ تتمتعُ بأهميةٍ مصيريةٍ بالنسبةِ لمجتمعٍ ما. وكيفما يستحيلُ على مجتمعٍ يفتقرُ إلى الإدارةِ الذاتيةِ أنْ يتجنبَ التحولَ إلى مستعمَرة، فلا مفرَّ من فنائِه وزوالِه ضمن سياقِ الصهرِ والإبادةِ كمَآلٍ طبيعيّ.
تُمَثِّلُ الإداراتُ الدخيلةُ على جوهرِ المجتمعِ أكثرَ أشكالِ السلطةِ طغياناً واستعماراً. بناءً عليه، فالمَهَمَةُّ الأخلاقيةُ والعلميةُ والجماليةُ المصيريةُ والأهمّ على الإطلاقِ بالنسبةِ لمجتمعٍ ما، هي بلوغُه قوةَ الإدارةِ الذاتية. ومثلما لا يُمكنُ لمجتمعٍ قاصرٍ عن النجاحِ في هذه المَهَمَّةِ أنْ يتطورَ أخلاقياً وعلمياً وجمالياً، فإنّ تطورَه وطابعه المؤسساتيّ السياسيَّ والاقتصاديَّ أيضاً يَزول. المهمُّ هنا هو منعُ كفاءةِ الإدارةِ من الانتقالِ بذاتِها نحو شكلِ السلطةِ من جانب، وتَصَدّيها حتى آخرِ رمقٍ تجاه اللاإدارةِ من الجانبِ الآخر. وبقدرِ أهميةِ عدمِ تحويلِ الإدارةِ إلى سلطة، فإنّ انتزاع امتيازاتِ الإدارةِ من يدِ السلطةِ أيضاً يتحلى بأهميةٍ كبيرة. وبقدرِ ما تُعَدُّ السلطةُ مناهِضةً للمجتمعية، فإنّ الإدارةَ كفاءةٌ وقوةٌ مجتمعيةٌ بالمِثل. ومن دونِ القوةِ الاجتماعية، لن يحصلَ التطورُ الأخلاقيُّ والجماليّ والعلميّ. هكذا، وفي حالِ غيابِ التطورِ الثقافيِّ بمعناه الضيق، فلن يحصلَ التطورُ الاقتصاديُّ والسياسيُّ أيضاً بالمعنى الواسع. وما سيُعاشُ في هذه الحالة، هو الفناءُ نتيجةَ الاستعمارِ والصهرِ والإبادة.
بقدرِ ما يَكُونُ حُكمُ السلطةِ مناهِضاً للديمقراطيةِ في المجتمع، فإنّ الإدارةَ الذاتيةَ مرتبطةٌ بالدرجةِ نفسِها بالإدارةِ الديمقراطية. وبقدرِ ما تُعَبِّرُ أشكالُ حُكمِ السلطةِ المَحضِ عن التضادِّ مع الديمقراطيةِ وعن إقصاءِ المجتمعِ عن الإدارة، فإنّ الإداراتِ الذاتيةَ تدلُّ على التحولِ الديمقراطيِّ بقدرِ إشراكِ المجتمعِ في الإدارة. وفي هذه الحال، يمكنُ تعريفُ الديمقراطيةِ على أنها الإدارةُ الذاتيةُ التي يُشارِكُ فيها المجتمع. ونظراً لاهتمامِ الإداراتِ الذاتيةِ بالمجتمعِ دوماً، فإنّ الديمقراطيةَ موجودةٌ في طبيعتِها، بحُكمِ استحالةِ التفكيرِ في عدمِ مشاركةِ المجتمعِ فيها. وبينما يتمُّ تصوُّرُ الديمقراطيةِ بالأغلبِ على أنها مصطلحٌ معنيٌّ بالمجتمعاتِ الكبرى كالشعوبِ والأمم، فإنّ الإداراتِ الذاتيةَ تشيرُ إلى الكفاءةِ أو القوةِ المستدامةِ التي تنتشرُ من أصغرِ المجتمعاتِ الكلانيةِ إلى أوسعِ المجتمعاتِ الوطنية. ويأتي عجزُ علمِ الاجتماعِ عن تحليلِ الخلطِ بين السلطةِ والإدارةِ في مقدمةِ الأزماتِ أو الإشكالياتِ المهمةِ جداً التي يعاني منها. وهذا ما أبقى بدورِه على جميعِ التحليلاتِ البنيويةِ والعقليةِ والمواقفِ التاريخيةِ تتخبطُ في الفوضى، مُطيلاً بذلك من عُمرِ الأزمة. والنتيجةُ هي ابتلاعُ السلطةِ لكلِّ المجتمعِ والبيئة، وإفراغُها الديمقراطيةَ من جوهرِها مختزلةً إياها إلى قِشرةٍ جوفاء، واختزالُ ذاتِها إلى شكلٍ صُوريٍّ متكررٍ بلا جدوى. لذا، لا يُمكنُ تخطّي أزمةِ الحقلِ العلميِّ وبالتالي الأزمةِ الاجتماعيةِ بوصفِها كينونةً بنيويةً وكينونةَ معنى؛ ما لَم يَقُمْ علمُ الاجتماعِ بتحليلِ مصطلحَي السلطةِ والإدارةِ الديمقراطيةِ بعدَ وضعِهما في مِحورِ اهتماماتِه، وما لَم يَقُمْ ارتباطاً بذلك بتعميمِ الحلِّ على التاريخِ والعلومِ الأخرى.
الأخلاق:
يمكنُ تعريفُ الأخلاقِ على أنها شكلٌ من أشكالِ السياسةِ التي تَتخذُ حالةَ التقاليدِ المؤسساتيةِ التاريخية. فبينما تؤدي السياسةُ بالأغلبِ دورَ المُبدِعِ والحامي والمُغَذّي في المخطط اليوميّ، فإنّ الأخلاقَ تَقومُ بالخدمةِ عينِها من أجلِ المجتمعِ القائم عن طريقِ القوةِ المؤسساتيةِ والقواعديةِ للتقاليد. وبالمقدورِ تقييمُ الأخلاقِ بأنها الذاكرةُ السياسيةُ للمجتمع. لذا، فالمجتمعاتُ المنحطةُ خُلُقياً، أو التي تَفتقرُ إلى الأخلاق، تدلُّ على ضعفِ ذاكرتِها السياسية، وتشيرُ بالتالي إلى مدى فقدانِها لقوتِها المؤسساتيةِ والقواعديةِ التقليدية. وهذا ما مفادُه بالنسبةِ لمجتمعٍ ما افتقارَه للدفاعِ الذاتيّ، وإسقاطَه في حالةٍ ينفتحُ فيها على شتى أشكالِ الممارساتِ التحكميةِ والاستعماريةِ والصّاهِرةِ داخلياً وخارجياً.
من هنا، فالدافعُ الأوليُّ خلفَ قيامِ أنظمةِ السلطةِ وكياناتِ الدولةِ بتعريةِ الأخلاقِ والنهشِ الدائمِ فيها، وخلفَ فرضِها الإرادةَ القانونيةَ أحاديةَ الجانبِ (الشكلَ الأخلاقيَّ للمهيمنين) على المجتمعِ بدلاً منها؛ هو النظرُ بعينِ الضرورةِ الحتميةِ إلى إقحامِ ذاك المجتمعِ في وضعٍ يغدو فيه منفتحاً على حُكمِ السلطةِ والاستغلالِ دائمياً وبنيوياً، وذلك بعدَ تخريبِ السياسةِ والإدارةِ الذاتيةِ فيه. ذلك أنه لا يُمكنُ لمجتمعٍ يحيا أخلاقَه بقوة أنْ يُذعِنَ بسهولة للسلطةِ والاستغلال. كما إنّ أكثرَ حالاتِ الأخلاقِ سلبيةً ورجعيةً وبدائية هي أثمنُ بالنسبةِ لمجتمعٍ ما من أكثرِ قوانينِ وأحكامِ السلطةِ والدولِ تقدماً. والمكانُ الذي يَسُودُ فيه المجتمعُ الأخلاقيُّ والسياسيّ، ناهيكَ عن عدمِ جدوى السلطةِ والقانونِ فيه، بل يَغدوان عبئاً يَصعبُ عليه تَحَمُّلُه. وبقدرِ تصيير مجتمعٍ ما أخلاقياً وسياسياً، فإنه يَغدو بالمِثلِ ديمقراطياً وحراً ومُفعماً بالمساواة، وبالتالي يصبحُ مقاوِماً ومنغلقاً على استغلالِ نُخَبِ السلطةِ واحتكاراتِ رأسِ المال. أما قيامُ علومِ الاجتماعِ المُستَوحاةِ من الليبراليةِ بإسقاطِ السياسةِ إلى مستوى الديماغوجية، وتعريفُها بشكلٍ خاصٍّ للأحزابِ التي هي نماذجٌ مُصَغَّرةٌ من الدولةِ على أنها أدواتٌ ديماغوجيةٌ أساسية؛ فلا يقتَصِرُ فقط على كونِه إساءةً وخيانةً للعلمِ وباسمِ العلم، بل ويتأتى من وظيفتِه في خدمةِ احتكاراتِ السلطةِ والاستغلالِ بأداءِ دورِه الذي يُعتَرَف له به عن وعي.